يُعتبر ميناء العرائش من بين أبرز الموانئ المغربية الواقعة على الساحل الأطلسي، حيث يشكل محطة أساسية في نشاط الصيد البحري بالمغرب، ويُساهم في الاقتصاد المحلي والوطني من خلال تزويد الأسواق الداخلية والخارجية بمنتوجات سمكية متنوعة. غير أنّ هذا الميناء يعيش واقعاً متناقضاً؛ فبرغم توفره على عدد كبير من مراكب السردين وقوارب الصيد التقليدي، إلا أنّ مراكب الجر (المعروفة محلياً بـ "الپاريخات") هي وحدها التي تحافظ على مكانة الميناء من الانهيار الاقتصادي، وتجعل منه نقطة نشاط مهمة بدل أن يكون مجرد "نقطة سوداء" أو "ميناء منكوب".
في هذا المقال، سنحاول تسليط الضوء على الدور المحوري لمراكب الجر في ميناء العرائش، مع تحليل وضعية باقي أنواع الصيد، وبيان الأسباب التي تجعلها عاجزة عن تقديم نفس القيمة الاقتصادية، مع الاستناد إلى الأرقام والمعطيات الرسمية من المكتب الوطني للصيد ONP وبعض المراجع البحرية.
واقع أسطول الصيد البحري بميناء العرائش
حسب المعطيات المتداولة محلياً، يضم ميناء العرائش ما يقارب:
- 70 مركب صيد السردين (المراكب السطحية الصغيرة).
- أزيد من 100 قارب صيد تقليدي.
- حوالي 50 إلى 60 مركب صيد بالجر.
ورغم أن العدد الأكبر من حيث الكم يتمثل في مراكب السردين وقوارب الصيد التقليدي، إلا أن القيمة الاقتصادية التي تضخها هذه الأخيرة في السوق الوطنية تبقى ضعيفة جداً مقارنة بمراكب الجر.
مراكب الجر: العمود الفقري لميناء العرائش
تشير البيانات الصادرة عن المكتب الوطني للصيد بالعرائش إلى أن مراكب الجر هي صاحبة الحصة الكبرى من حيث التصريحات الرسمية بالمنتوج السمكي. إذ تصل أرقام معاملاتها إلى ملايين الدراهم شهرياً، ما يجعلها العمود الفقري للاقتصاد البحري بالمنطقة.
الكلمات المفتاحية مثل: مراكب الجر، الصيد بالجر، المكتب الوطني للصيد البحري، العرائش، الثروة السمكية، تبرز بوضوح أهمية هذا النمط من الصيد.
هذه المراكب تقوم بصيد أنواع متعددة من الأسماك ذات القيمة التجارية العالية مثل: الروبيان، الكلمار، الشرن، الميرلا، أبو سيف وغيرها من الأصناف التي تُسوق محلياً ودولياً. وهو ما يجعل مساهمتها في الدخل القومي واضحة، ويجعلها عنصراً أساسياً في استراتيجية وزارة الصيد البحري المغربية.
ضعف مساهمة مراكب السردين
على الرغم من العدد الكبير لمراكب السردين بميناء العرائش، إلا أن تصريحاتها لدى المكتب الوطني للصيد تبقى محتشمة وضعيفة بشكل مقلق. في الغالب، لا تتجاوز الأرقام المسجلة بضعة آلاف من الدراهم، بل هناك مراكب لا تصرح إطلاقاً بالمنتوج، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدوى هذا النمط من الصيد في الميناء.
هذا الضعف قد يُعزى لعدة أسباب:
- المنافسة القوية بين المراكب السطحية في مناطق أخرى مثل آسفي وأكادير.
- ضعف البنية التحتية المخصصة لتسويق السردين بالعرائش.
- غياب المراقبة الصارمة على عملية التصريح، مما يفتح الباب أمام البيع غير القانوني خارج قنوات المكتب الوطني للصيد.
قوارب الصيد التقليدي: نشاط محدود وتصريحات موسمية
تلعب قوارب الصيد التقليدي دوراً أساسياً في توفير فرص عمل لمئات البحارة بالعرائش، غير أنّ نشاطها يبقى محدوداً من الناحية الاقتصادية. فالتصريحات الرسمية بالمنتوج لا تتم إلا بشكل موسمي، خصوصاً في موسم صيد الأخطبوط وسمك أبو سيف، بينما باقي المصطادات غالباً ما تكون غير مصرّح بها بحكم القيود القانونية التي تمنع القوارب الصغيرة من صيد بعض الأصناف مثل السردين والشرن.
هذا الواقع يجعل المردودية الاقتصادية للصيد التقليدي شبه منعدمة مقارنة بالصيد بالجر، رغم أهميته الاجتماعية كقطاع مشغل لعدد كبير من الأسر.
ميناء العرائش بين الاعتراف والتحديات
لو قمنا بمقارنة بسيطة بين مختلف أنماط الصيد بالعرائش، سنجد أن:
- مراكب الجر = أرقام ضخمة، ملايين الدراهم، حضور قوي في السوق الوطنية.
- مراكب السردين = حضور ضعيف، تصريحات محتشمة، مردودية غير كافية.
- قوارب الصيد التقليدي = نشاط موسمي محدود، قيود قانونية.
وبالتالي، فإنّ ميناء العرائش مدين في بقائه ونشاطه إلى مراكب الجر بالدرجة الأولى، فهي التي تحفظ ماء وجه المسؤولين أمام الوزارة، وتمنع الميناء من الانزلاق إلى "منطقة منكوبة" اقتصادياً.
التحديات المستقبلية
رغم دور مراكب الجر الحيوي، إلا أن هذا النمط من الصيد يطرح أيضاً عدة تحديات مرتبطة بـ:
- الاستدامة البيئية: حيث إن الصيد بالجر يُعتبر من أكثر أنواع الصيد تأثيراً على قاع البحر.
- توازن السوق: الاعتماد الكلي على مراكب الجر يجعل اقتصاد الميناء هشاً أمام أي أزمة.
- ضعف البنية التحتية: حاجة الميناء إلى تحديث أسواق السمك، ووسائل التخزين والتبريد.
- القوانين المنظمة: ضرورة تحديث النصوص القانونية لتقوية دور باقي أنماط الصيد.
خاتمة
إن ميناء العرائش يعيش مفارقة واضحة؛ فمن جهة، يضم عدداً كبيراً من المراكب المتنوعة، ومن جهة أخرى، تبقى القيمة الاقتصادية الحقيقية محصورة في مراكب الجر فقط. لولا هذه الأخيرة، لكان الميناء فعلاً مجرد نقطة سوداء على الخريطة البحرية المغربية.
وعليه، يبقى مستقبل الميناء رهيناً بقدرة الفاعلين على تنويع مصادر الدخل، وتشجيع التصريح القانوني بكل المصطادات، مع تعزيز البنية التحتية لمواكبة حجم النشاط البحري.
المصادر والمراجع
- المكتب الوطني للصيد البحري ONP – تقارير سنوية.
- وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية – مديرية الصيد البحري.
- تقارير ميدانية حول ميناء العرائش (2024 – 2025).
- دراسات حول الاستدامة في الصيد البحري بالمغرب (جامعة عبد المالك السعدي، تطوان).
تعليقات
إرسال تعليق