تشهد مدينة الداخلة، إحدى أهم الحواضر البحرية في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، حالة من القلق والترقب بعد الأنباء التي راجت مؤخراً حول اختفاء قارب صيد تقليدي يحمل اسم "رباب" رقم 12/02-11082، كان قد غادر مركز قرية الصيد "لاساركا" في رحلة صيد يوم الثلاثاء 19 غشت الجاري، قبل أن تنقطع أخباره ويغيب عن العودة في الموعد المعتاد لتفريغ المصطادات.
هذا الحادث المؤسف يسلط الضوء من جديد على مخاطر البحر وتحديات مهنة الصيد التقليدي، التي تُعتبر واحدة من أعمدة النشاط الاقتصادي بالجهة، وفي الوقت نفسه من المهن الأكثر خطورة بالنظر إلى طبيعة الظروف المناخية، وأحياناً محدودية وسائل السلامة المتوفرة لبحارة القوارب التقليدية.
تفاصيل الحادث
وفقاً للمصادر المحلية، فإن القارب المسمى "رباب" انطلق في رحلة صيد عادية برفقة طاقمه من قرية الصيد "لاساركا"، التي تبعد بحوالي 7 كيلومترات عن مدينة الداخلة، في إطار نشاطه اليومي المعتاد. غير أن الساعات تحولت إلى أيام دون عودة القارب إلى رصيف الميناء أو إلى النقطة التي اعتاد الرسو فيها، وهو ما أثار المخاوف لدى زملاء البحارة وأسرهم.
مع مرور الوقت وتعذر أي اتصال، بدأت الأنباء تتداول بين أوساط المهنيين والصيادين بالمنطقة، وسط دعوات مكثفة للسلطات البحرية من أجل تكثيف عمليات البحث والإنقاذ.
حجم القلق في الأوساط البحرية
مدينة الداخلة معروفة بكونها قبلة لصيد السمك التقليدي والصيد الساحلي، ويُشغل هذا القطاع آلاف البحارة والمهنيين. وفي كل حادث مشابه، تعيش الأسر معاناة نفسية قاسية بسبب غياب أخبار ذويها لعدة أيام.
ويصف أحد البحارة الوضع قائلاً:
"عندما يتأخر قارب عن موعده المعتاد، يدخل الجميع في حالة من القلق. البحر ليس له أمان، والظروف الجوية يمكن أن تتغير في أي لحظة، مما يعرض حياة البحارة للخطر. نحن نعيش هذه المخاطر يومياً، لكن اختفاء قارب بكامله يظل من أصعب اللحظات التي تمر على مجتمع الصيد."
هذه المشاعر تختصر حجم المعاناة التي تعيشها أسر البحارة، حيث تتحول لحظات الانتظار إلى ساعات طويلة من الترقب والدعاء، أملاً في أن يعود المفقودون سالمين.
البحر: مصدر رزق وخطر دائم
تاريخياً، ظل البحر بالنسبة لأهالي الداخلة وباقي مدن الساحل المغربي مصدراً أساسياً للرزق، لكنه في المقابل يحمل في طياته مخاطر لا يمكن تجاهلها. فالطقس قد يتغير في دقائق، والتيارات البحرية قد تجرف القوارب بعيداً عن مسارها، كما أن حوادث الاصطدام أو تعطل المحركات ليست بالأمر المستبعد.
وبالرغم من جهود الدولة في السنوات الأخيرة لتجهيز موانئ وقرى الصيادين وتزويدهم بوسائل أكثر أماناً، فإن قوارب الصيد التقليدي لا تزال تواجه صعوبات مرتبطة بضعف وسائل الاتصال وأحياناً غياب أنظمة التتبع الحديثة. وهذا ما يجعل حوادث الاختفاء أو الضياع في عرض البحر مأساة تتكرر بين الفينة والأخرى.
جهود البحث والإنقاذ
بعد تأكيد خبر غياب القارب، يُنتظر أن تباشر مصالح الإنقاذ التابعة للبحرية الملكية والدرك الملكي البحري، إلى جانب الصيادين المتطوعين، عمليات تمشيط واسعة في عرض البحر وعلى طول الشريط الساحلي الممتد من الداخلة إلى مناطق مجاورة.
عادة ما تُستعمل في مثل هذه الحالات زوارق سريعة وطائرات استطلاع صغيرة إن اقتضى الأمر، إلى جانب شبكات التواصل بين البحارة الذين يضطلعون بدور محوري في مد السلطات بأي معلومات قد تساعد على تحديد مكان القارب المفقود.
الأبعاد الإنسانية والاجتماعية للحادث
وراء كل قارب يبحر في عرض البحر، هناك أسر تعيش على أمل عودة معيلها سالماً محملاً برزق البحر. وعندما تنقطع الأخبار، تتحول حياة هذه الأسر إلى كابوس حقيقي. ففي حالة القارب "رباب"، تعيش عائلات البحارة المفقودين صدمة قوية، مرفوقة بقلق دائم، حيث يترقبون أي خبر قد يبدد الغموض.
وفي هذا السياق، عبر عدد من النشطاء المحليين على منصات التواصل الاجتماعي عن تضامنهم مع أسر البحارة، مطلقين دعوات جماعية للسلطات من أجل تسريع جهود الإنقاذ، ومؤكدين أن المأساة ليست مجرد حادث فردي، بل قضية تمس مجتمعاً بأكمله يعتمد على البحر في عيشه اليومي.
الدروس المستخلصة والحلول الممكنة
حادثة اختفاء القارب "رباب" تطرح من جديد أسئلة ملحة حول كيفية تعزيز شروط السلامة بالنسبة للصيادين التقليديين، ومن أبرز التوصيات التي عادة ما يطرحها المهنيون:
- تعميم أجهزة التتبع (GPS) على جميع القوارب التقليدية، لضمان إمكانية تحديد موقعها في أي لحظة.
- توفير أجهزة اتصال لاسلكية متطورة تمكن البحارة من ربط الاتصال بالسلطات أو زملائهم عند حدوث طارئ.
- تدريب البحارة على الإسعافات الأولية وطرق النجاة في حالات الغرق أو التعطل في عرض البحر.
- تشديد المراقبة الجوية والبحرية خلال فترات سوء الأحوال الجوية.
- إحداث صندوق دعم خاص لأسر البحارة المتضررين من مثل هذه الحوادث، بما يخفف من معاناتهم الاجتماعية والاقتصادية.
في انتظار ما ستسفر عنه عمليات البحث الجارية، تبقى آمال أسر البحارة المفقودين معلقة بدعوات صادقة لعودتهم سالمين. ومهما تكن النتيجة، فإن الحادث يجدد التأكيد على أن مهنة الصيد التقليدي في الداخلة وباقي السواحل المغربية، رغم أهميتها الاقتصادية والاجتماعية، لا تزال محفوفة بالمخاطر.
ولعل استثمار مثل هذه الأحداث الأليمة في تعزيز معايير السلامة والوقاية سيكون خطوة أساسية نحو حماية أرواح آلاف البحارة الذين يغامرون يومياً في مواجهة البحر، بحثاً عن رزقهم ورزق أسرهم.
رحم الله من فقدنا منهم، وحفظ الباقين من كل سوء، وجعل البحر دائماً مصدر عطاء لا مصدر فاجعة.
تعليقات
إرسال تعليق