يُعتبر قطاع الصيد البحري في المغرب من أهم الركائز الاقتصادية، حيث يوفر آلاف مناصب الشغل ويُساهم بشكل كبير في الدخل القومي عبر الصادرات البحرية. غير أن حقوق البحار المغربي تبقى من أكثر الملفات تعقيداً وإثارة للجدل، خاصة عندما يتعلق الأمر بمسألة زيادة الأجور وتحسين ظروف العمل. فالاختلاف بين النصوص القانونية والتطبيق العملي يجعل البحار يعيش وضعية هشّة، تُهدد استقراره المهني والاجتماعي.
الوضع القانوني للبحّار في المغرب
وفقاً لقانون الشغل المغربي، يُفترض أن يتمتع البحّار بنفس الحقوق التي يحظى بها باقي الأجراء، ومن أبرزها:
- الأجرة المناسبة: أجرة تضمن كرامة العيش وتتماشى مع الجهد المبذول في بيئة عمل صعبة وخطيرة.
- التأمين الصحي: ضمان تغطية صحية فعّالة ضد الأمراض والإصابات المهنية.
- التغطية الاجتماعية (CNSS): تسجيل إجباري في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للاستفادة من التقاعد والتعويضات العائلية.
- الساعات القانونية للعمل والراحة: احترام توقيت العمل المحدد قانونياً، مع توفير أوقات راحة كافية.
- التعويض عن المخاطر: باعتبار أن مهنة البحر من أخطر المهن في العالم.
الخلل بين القانون والواقع
رغم وضوح النصوص القانونية، إلا أن التطبيق على أرض الواقع يظل بعيداً عن التطلعات:
- غياب العقود الواضحة: أغلب البحارة يشتغلون بدون عقود مكتوبة، مما يُضعف وضعيتهم القانونية.
- نقص المراقبة: ضعف أجهزة الرقابة في الموانئ يُساهم في استمرار التجاوزات.
- نظام الحصة (part): يُعتبر من أكبر الإشكالات، حيث يُحدد المدخول حسب الكمية المصطادة، وهو نظام يجعل البحار رهينة تقلبات البحر ومزاج “الريس” وأرباب المراكب.
الأجور في قطاع الصيد البحري: بين الواقع والطموح
الأجور الحالية
أجور البحارة في المغرب غالباً ما تكون متدنية مقارنة بالمجهود الكبير والمخاطر اليومية التي يتعرضون لها. بعض التقارير تشير إلى أن مدخول البحار قد لا يتجاوز في بعض الأشهر الحد الأدنى للأجور (SMIG)، خصوصاً في فترات ضعف الصيد أو سوء الأحوال الجوية.
مطلب الزيادة في الأجور
زيادة الأجور تُعتبر من المطالب الأساسية للبحارة، وذلك للأسباب التالية:
- غلاء المعيشة وارتفاع أسعار المواد الأساسية.
- طبيعة العمل الشاقة التي تستوجب تعويضاً مناسباً.
- المخاطر الصحية والجسدية المرتبطة بالبحر.
موقف أرباب المراكب
غالبية أرباب المراكب يُعارضون الزيادة بحجة ارتفاع تكاليف التشغيل (المحروقات، الصيانة، الضرائب). لكن هذا الموقف يطرح سؤالاً جوهرياً: هل يُعقل أن يتحمل البحار وحده تكلفة الأزمة بينما تُحقق بعض شركات الصيد أرباحاً ضخمة خاصة في الصيد الصناعي وأعالي البحار؟
التغطية الاجتماعية والتأمين الصحي
من أبرز الإشكالات التي يعاني منها البحارة:
- ضعف تسجيلهم في CNSS: كثير من البحارة لا يتم التصريح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
- غياب التأمين ضد حوادث البحر: رغم أن المخاطر البحرية جسيمة، إلا أن عدداً كبيراً من البحارة لا يستفيدون من التأمين الحقيقي.
- انعدام التعويضات عند العجز أو الوفاة: وهو ما يترك عائلات البحارة في وضع اجتماعي كارثي عند وقوع الحوادث.
الجدل حول نظام "الحصة" (Part)
تعريف النظام
نظام "الحصة" يعني أن البحار يتقاضى أجراً حسب نصيبه من الكمية المصطادة بعد خصم المصاريف (المحروقات، الثلج، المأونة). هذا النظام قد يبدو عادلاً نظرياً، لكنه عملياً يُدخل البحار في دوامة من عدم الاستقرار المالي.
سلبيات نظام الحصة
- يجعل الدخل مرتبطاً بعوامل غير مستقرة (الطقس، وفرة الأسماك).
- يخضع البحار لمزاج "الريس" وأرباب المراكب.
- يساهم في غياب الحد الأدنى للأجر.
الحلول الممكنة
- اعتماد أجرة قارة مع إضافة حوافز مرتبطة بالمردودية.
- إلزامية وضع عقود عمل مكتوبة تحمي البحار قانونياً.
- تدخل الدولة عبر وزارة الصيد البحري لفرض الرقابة الصارمة.
النقابات ودورها في الدفاع عن حقوق البحارة
النقابات البحرية بالمغرب تحاول الدفاع عن حقوق هذه الفئة عبر:
- المطالبة بزيادة الأجور.
- فرض تسجيل البحارة في CNSS.
- محاربة نظام الحصة العشوائي.
- تحسين ظروف السلامة على متن المراكب.
لكن قوة هذه النقابات تبقى متفاوتة بين ميناء وآخر، كما أنها تُواجه مقاومة من بعض أرباب المراكب.
البعد الاجتماعي والإنساني
لا يمكن مناقشة ملف حقوق البحارة بمعزل عن الجانب الاجتماعي:
- ظروف السكن: كثير من البحارة يعيشون في أحياء هشة قريبة من الموانئ.
- التعليم: أبناء البحارة غالباً ما يضطرون لترك الدراسة مبكراً لمساعدة أسرهم.
- الصحة النفسية: طبيعة العمل الشاقة والبعد الطويل عن العائلة تؤثر على الاستقرار النفسي للبحار.
مقارنة مع دول أخرى
إسبانيا والبرتغال
- البحارة يتمتعون بعقود عمل واضحة.
- رواتبهم أعلى بكثير مقارنة بالمغرب.
- تغطية اجتماعية وصحية فعّالة.
موريتانيا وتونس
- وضعية البحارة شبيهة نسبياً بالمغرب.
- غياب الأجر القار وانتشار نظام الحصة.
الحلول المقترحة لإصلاح القطاع
- فرض عقود العمل المكتوبة لجميع البحارة.
- إقرار حد أدنى للأجر القار بغض النظر عن نظام الحصة.
- تعزيز الرقابة في الموانئ لضمان احترام القوانين.
- تعميم التأمين الصحي والاجتماعي.
- تشجيع الحوار الاجتماعي بين الدولة، النقابات، وأرباب المراكب.
- تطوير برامج تكوين للبحارة لرفع مستواهم المهني.
الخلاصة
يبقى ملف حقوق البحار المغربي وزيادة الأجور من أعقد الملفات التي تتطلب تدخلاً عاجلاً وشاملاً. فبين النصوص القانونية الجميلة والواقع المرير، يظل البحار الحلقة الأضعف في سلسلة قطاع الصيد البحري. إصلاح هذا القطاع ليس فقط مسؤولية الدولة، بل هو واجب وطني وأخلاقي لضمان كرامة البحار المغربي الذي يُخاطر بحياته يومياً لتأمين غذائنا ودعم الاقتصاد الوطني.
حقوق البحارة في المغرب، زيادة أجور البحارة، قانون الشغل المغربي، نظام الحصة، نقابات البحارة، الصيد البحري المغرب، التغطية الاجتماعية للبحارة، CNSS البحارة، مشاكل البحارة في المغرب، إصلاح قطاع الصيد البحري.
المصادر والمراجع
- وزارة الصيد البحري المغربية: تقارير دورية.
- الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS).
- دراسات جامعية حول قطاع الصيد البحري.
- تصريحات نقابات البحارة المغربية.
- مقارنات مع تقارير دولية عن حقوق البحارة.
تعليقات
إرسال تعليق